
سجلت خدمة "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" (BNPL) والمعروفة بالدفع الآجل، رغم حداثتها في السوق السعودي، معدلات نمو مرتفعة في الفترة الأخيرة نتيجة الإقبال الكبير من قبل المستهلكين في المملكة العربية السعودية.
حيث تضاعف إجمالي قيمة المبيعات من خلال خدمة "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" 5 مرات تقريباً ليصل إلى 8.7 مليار ريال (2.3 مليار دولار) في 2022، بعدما كان قد تضاعف 128 مرة من 14 مليون ريال في 2020 إلى 1.8 مليار ريال عام 2021، وفقاً للتقرير السنوي للتقنية المالية الصادر عن البنك المركزي السعودي "ساما" في سبتمبر الماضي.
ويمكن تعريف الدفع الآجل بأنه اتفاق بين البائع والمشتري على تسليم السلعة وانتقال ملكيتها للمشتري فوراً، وتأجيل دفع ثمنها حسب المدة المتفق عليها وسداد الثمن إما كاملاً أو على دفعات.
ويتشابه مفهوم نظام البيع بالآجل بالبيع بالتقسيط، ولكنهما يختلفان في طريقة انتقال الملكية؛ ففي التقسيط، يستلم العميل السلعة ويسدد ثمنها على دفعات أو أقساط، ويتأجل انتقال ملكية السلعة للعميل حتى نهاية السداد. علاوةً على ذلك، في البيع بالآجل، يمكن للمشتري أن يدفع في وقت لاحق باستخدام أي نوع من العملات المقبولة، مثل: النقود الورقية أو بطاقات الائتمان أو الشيكات وغيرها.
قواعد تنظيمية
وفي ديسمبر الجاري، أصدر البنك المركزي السعودي "ساما" قواعد تنظيمة لشركات الدفع الآجل، وذلك انطلاقاً من دوره الإشرافي والرقابي على شركات الدفع الآجل وقطاع التقنية المالية.
وتهدف هذه القواعد إلى تنظيم شركات الدفع الآجل إلى تنظيم أحكام الترخيص لهذا النوع من الشركات، ووضع الحد الأدنى من المعايير والإجراءات اللازمة لمزاولة النشاط، بما يسهم في نموه واستدامته، دون إغفال لمبادئ وقواعد حماية عملاء المؤسسات المالية وحقوقهم.
ونصت القواعد بجملة من الأحكام والالتزامات، أهمها: أحكام تتعلق بالحصول على الترخيص، وأحكام التنظيم الداخلي كالسياسات والإجراءات الداخلية، ومتطلبات أمن المعلومات ومكافحة الجرائم المالية، كذلك التزامات تنظيمية تهدف إلى حماية العميل، ووضع حدود للنشاط وحدود للائتمان، وأحكام الإشراف والالتزام.
وأكد البنك السعودي المركزي، أنه يمنع تجاوز مجموع التمويل القائم لكل عميل 5,000 ريال، مع تحديد 12 قسطاً حداً أعلى لكل عميل، إضافة إلى منع الدفع النقدي وحصره على القنوات الإلكترونية.
مزايا الدفع الآجل
تمتلك خدمة "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" عدة مزايا لكل من البائع والمشتري مقارنة بطرق الدفع الأخرى، مثل توفير حاجة المستهلك عندما لا يكون قادرًا على الشراء نقدًا، فضلاً عن أنها تتميز بمرونة السداد على مدة زمنية يحددها البائع مع المشتري. لذلك، فهي تعد عنصر فاعل في تشجيع الأفراد على الشراء لأنها تجعل عمليات الشراء في متناول الجميع.
علاوةً على ذلك، يفضل بعض التجار توفير هذه الخدمة إذ أنها تجذب شريحة معينة من العملاء، مما يؤدي إلى زيادة في مبيعات الشركات بشكل ملحوظ وكبير. عندما يوفر البائع خدمة الدفع الآجل للعملاء، فإن هذا يعكس ثقته في قدرتهم على سداد الفواتير في الوقت المحدد، مما يشجع على بناء علاقة تجارية مستدامة ووفية. وعادةً يستخدم نظام الدفع الآجل في تمويل السلع الاستهلاكية نتيجة صغر مبلغ التمويل وقصر مدته.
مخاطر الدفع الآجل
وفيما يتعلق بسلبيات التعامل بطريقة الدفع الآجل، فأن تراكم الديون على العملاء نتيجة الإفراط في الشراء هي أحد أبرز العيوب كما أن زيادة الاستهلاك سيخفض نسب الادخار لدى العملاء. كل هذا سيؤدي إلى تراكم المبالغ غير المسددة من العملاء، خاصةً وأن أغلب شركات الدفع الآجل تمتنع عن أخذ رسوم على التأخير، مما يولد مخاطرة في استرداد تلك المبالغ، مما يعني تحمل مخاطر الدفع الآجل مع العملاء إلى جانب احتمالية الديون المعدومة.
ومن بين المشاكل الأخرى المتعلقة بالبيع بالآجل بالنسبة للتجار، قد يؤثر اعتياد العملاء على شراء المنتجات الاستهلاكية بالآجل بالطبع على التدفق المالي للتجار، فضلاً عن أن تأخر العملاء في السداد سيؤثر سلباً على دورة عملية المبيعات.
البيع بالآجل وتجارة التجزئة
يحقق البيع بالآجل عدة فوائد لقطاع التجزئة السعودي، أولاً: زيادة المبيعات حيث أنه يوفر للعميل شراء المنتجات التي يستطيع شراؤها نقدًا، بدلاً من الانتظار حتى يدخر العميل المبلغ الكافي لشراء السلعة، فهو قادر على شرائها ثم دفع ثمنها خلال مدة محددة. ثانياً: تقليص المخزون، حيث يمكن لتاجر التجزئة خفض نسب السلع الراكدة عن طريق بيعها للعملاء غير القادرين على الدفع النقدي المباشر.
وثالثاً: يسهم الدفع الآجل في زيادة الدخل لتجار التجزئة عبر الاستفادة من سعر السلعة بعد إضافة ثمن البيع بالآجل. ورابعاً: فأن هذه الخدمة تعمل على تيسير حركة المنتجات وزيادة ضمان بيع المنتجات بنفس سعر السوق قبل تلفها. وخامساً: يعتمد الدفع الآجل على أكثر من طريقة للدفع، لذلك، فهو أحد أساليب التسويق التي تجذب مختلف أنواع العملاء.
إن عدم وجود الوعي الكافي بخدمة "اشترِ الآن وادفع لاحقاً"، يعد من أبرز التحديات التي تواجه تجار التجزئة، حيث أن بعض العملاء لا يتمتعون بالمعرفة التكنولوجية الكافية عن هذه الخدمة، مما يجعلهم يفضلون التقسيط التقليدي بالطرق المعتادة.
شركات الدفع الآجل الناشئة بالسعودية
هناك عدد من الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التقنية المالية وتقدم خدمات الدفع الآجل في السوق السعوي، مثل شركة "تمارا"، وهي واحدة من أكبر وأهم الشركات الناشئة في مجال الدفع الآجل بالوطن العربي ومقرها المملكة العربية السعودية. وتقدم تجربة سهلة وسلسلة للعميل، فلا يوجد أي فوائد أو رسوم زائدة على المستهلك هو يقوم فقط بسداد نفس المبلغ المطلوب للسلعة التي قام بشرائها، وتستغرق عملية الشراء عدة دقائق بسيطة يتم فقط التأكد بها من رقم الهاتف ووجود بطاقة بنكية.
وفي ديسمبر الجاري، أغلقت شركة "تمارا"، جولة تمويلية للأسهم من السلسلة "ج" بقيمة 1.3 مليار ريال. وجاءت الجولة بقيادة "الأهلي المالية"، و"سنابل للاستثمار"، بالإضافة إلى مستثمرين آخرين . وأكدت الشركة أن هذه الجولة تعد إحدى أضخم الاستثمارات في شركة تقنية مالية في المنطقة، بعد أن حصلت الشركة، في نوفمبر الماضي، على تمويل بالدين ليصل إجمالي تسهيلاتها التمويلية إلى 1.5 مليار ريال بقيادة بنك "جولدمان ساكس" و"شروق بارتنرز".
ومن خلال هذه الصفقة، تكون "تمارا" قد جمعت تمويلاً إجمالياً بقيمة 1.9 مليار ريال من تمويل الملكية، وأكثر من 1.5 مليار ريال من القروض التمويلية منذ تأسيسها في أواخر عام 2020.
أما شركة "تابي"، فقد تأسست عام 2019 وتقدم خدمات الدفع لاحقًا على عدة أشهر بعد شراء المنتج بدون أي تكلفة على المستهلك. كما أنه يمكن لعملاء "تابي" استخدام خدمتها عبر أكثر من 500 تاجر متكامل في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
وحصلت شركة "تابي"، المتخصصة في خدمات الشراء والدفع لاحقًا، على تسهيلات ائتمانية تصل إلى 700 مليون دولار من "JPMorgan"، تمهيدًا لخطتها بالطرح العام في السوق المالية السعودية. ويأتي ذلك بالتزامن مع رفع قيمة جولتها الاستثمارية إلى 250 مليون دولار. وأوضحت الشركة أن الجولة الاستثمارية الأخيرة رفعت تقييمها إلى 1.5 مليار دولار، وبالتالي ستساعدها التسهيلات الائتمانية على مواكبة الطلب المتزايد على خدمتها.